يتطور الذكاء الاصطناعي بسرعة تفوق التخيلات في مجالات متعددة، ويمكن لتطبيقاته أن تحل في النهاية محل بعض الوظائف وتستبدل الأشخاص وتغيّر نمط عمل بعض القطاعات، لا سيما أن ربوتات الدردشة قادرة على الدخول في محادثات معقدة وبكفاءة أقرب إلى البشر، وأحياناً يصعب على الإنسان معرفة ما إذا كان ما يراه قد صُنع بوساطة البشر أم بالذكاء الاصطناعي.وتدفع الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي إلى تحسين الحياة، من التشخيص الطبي إلى تحليل البيانات الضخمة والتعليم والاكتشافات العلمية والتغير المناخي وقيادة السيارات ذاتية القيادة، ولذا بات الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يسترعي اهتمام دول وشركات كبرى، خصوصاً مع التطور الهائل في المجال والذي يتوقع أن يتضاعف خلال السنوات القليلة المقبلة، مع قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على التعلم من الأخطاء واتخاذ القرارات دون حاجة إلى تدخل البشر.

والذكاء الاصطناعي هو أقوى تكنولوجيا تمكَّن البشر من الوصول إليها، ويمكن للتوسع في استخدامها أن يقدم خريطة طريق لخلق عالم أفضل، وفي الوقت ذاتِه هناك حاجة إلى السيطرة على التداعيات والعواقب الناجمة عنه. وإذا ما أدير الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح، فإن هناك فوائد عظيمة للبشرية، خصوصاً مع تطوير أنظمة تعمل لصالح البشر وليس ضدهم، فتقنيات الذكاء الاصطناعي يمكنها تطوير الطائرات من دون طيار وتشخيص مرض السرطان، وهو ما يستوجب ضبط التطوير بالقوانين والضمانات الضرورية لمنع إساءة الاستخدام.

ويخشى كثيرون من تفوُّق قدرات الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري مستقبلاً، وما تزال الأجيال الحالية من الذكاء الاصطناعي متخلفة في المجالات التي يتفوق فيها البشر، مثل التفكير القائم على الإبداع، وهو ما يجعله محتاجاً إلى التطوير في هذه المجالات. وعلى المستوى الأمني هناك تهديدات مرتبطة بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، منها ما يرتبط بأمن المعلومات في ظلّ انتشار المعلومات المزيفة والمضللة المخلَّقة بحرفية، وهو ما قد يدفع صنّاع القرار إلى اتخاذ إجراءات بناء على معلومات خاطئة، أو استخدام المعلومات الخاطئة في تهديد استقرار المجتمعات، والتأثير على الرأي العام.

ويمكن استغلال بعض الثغرات في أنظمة الذكاء الاصطناعي في شنّ هجمات إلكترونية تؤدي إلى تعطيل البنية التحتية الحيوية للدول، أو الاستيلاء على البيانات المهمة، ناهيك عن استغلال الجماعات الإرهابية لروبوتات الدردشة عبر الذكاء الاصطناعي لنشر الإرهاب والمحتوي المتطرف، لكن في المقابل تستثمر الدول في الذكاء الاصطناعي لأغراض الأمن القومي، من ناحية تطوير دمج الذكاء الاصطناعي في الأنظمة الدفاعية وتحليل المعلومات وحل الأزمات.

وقد بات الاتجاه نحو تطوير مزيد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي ضرورة لتوفير حياة أفضل للبشر، لكن تجاهل مخاطر الذكاء الاصطناعي قد يجعل المجتمعات غير آمنة، ولذا توجد حاجة إلى آليات تنظيمية وأخلاقية وقيمية للتوازن بين الذكاء الاصطناعي وحقوق البشر الأساسية، من خلال التشريعات المواكبة لسرعة تطور تطبيقات الذكاء الاصطناعي. وهناك مبالغات في التخوف من الذكاء الاصطناعي، لكن المخاطر عظيمة فعلاً ويمكننا التعامل معها بموضوعية والاستعداد لما هو قادم في عالم متطور لن ينتظر استيعابنا له، وذلك بالتوجه نحو فرص العمل التي يُتيحها الذكاء الاصطناعي في مجالات تطوير البرمجيات وتحليل البيانات، والاستثمار في التعليم والتدريب لإدراك التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، ووضع معايير أخلاقية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، لضمان تحقيق الفائدة للجميع وتجنب المخاطر، وحينها يرجح أن يستكمل الذكاء الاصطناعي الإبداع البشري ويعزز رفاه المجتمعات.

*باحث رئيسي - مدير إدارة البحوث والاستشارات- مركز تريندز للبحوث والاستشارات